إن كان الاسلام دخل إلى المغرب من الشرق، فإن تأثير المغاربة في المشرق جاء عن طريق علماء الصوفية. نقدم لكم لائحة أشهر 10 متصوفين مغاربة مدفونين في المشرق تركوا بصمات وأتباع لمدارسهم الصوفية حتى وقتنا هذا.
عبد الحق ابن سبعين
عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر الغافقي العكي، ويكني بأبي محمد، ويلقب في المشرق بقطب الدين، أصوله مغربية ومسقط رأسه بمرسية في الأندلس، وينتمي إلى أسرة نبيلة وافرة الغنى كان لها شان بالأندلس، قضى مطلع شبابه بها، حيث تعلم العربية والأدب ونظر في العلوم العقلية، وأخذ التصوف عن ابن دهاق. وقد لقب بشيخ السبعينيَّة نسبة إلى الطريقة الصوفية التي يسمى أتباعها بالسبعينية، كما يسمون «الليسية» لأن ذكرهم كان: «ليس إلا الله». واشتهر بابن سبعين لأنه كان يطلق على نفسه ابن دارة – والدارة في الحساب = حرف العين = 70.
ألف كتاب بدر العارف وهو ابن خمس عشرة سنة، وهو كتاب يحتوي على الكثير من الصنائع العلمية والعملية والأمور السنية، واعتبر ذكائه خارقا للعادة. وفي الطور الثاني من حياته بدأ بارتحاله من مرسية نحو 640 هـ إلى بعض بلاد الأندلس ثم شمالي أفريقيا.
قضى الفترة الزمنية من حياته الروحية في المغرب الأقصى، وفيه أيضاً ألّف معظم رسائله، وجرت له المناظرات العنيفة مع فقهاء المغرب. وكان ابن سبعين قد انتقل إلى المغرب وهو دون العشرين، فأقام أولاً في سبتة هو وجمع من أصحابه وأتباعه الذين كانوا قد بدؤوا يلتفون حوله وهو لا يزال في الأندلس. وشاعت شهرته بالزهد والعلم، وكذلك شهرته بالفلسفة التي استطارت في الآفاق، بدليل ما ورد في مستهل كتاب “المسائل الصقلية“، وهي المسائل التي كان الإمبراطور فردريك الثاني ملك النورمانديين في مملكة صقلية قد وجهها إلى علماء المسلمين للاستفادة وحب الاستطلاع لما كانت عليه شهرة المسلمين حينئذ بالفلسفة والعلم. وهذه المسائل الصقلية التي سأل عنها فردريك الثاني علماء المسلمين هي: المسألة الأولى عن العالم: هل هو قديم أو محدث، والثانية من العلم الإلهي: ما هو المقصود منه، وما مقدماته الضرورية إن كانت له مقدمات، والثالثة عن المقولات أي شيء هي، وكيف يتصرف بها في أجناس العلوم حتى يتم عددها، وعددها عشر، فهل يمكن أن تكون أقل، وهل يمكن أن تكون أكثر، وما البرهان على ذلك، والمسألة الرابعة عن النفس: ما الدليل على بقائها وما طبيعتها، ويتفرع عن هذه المسألة الأخيرة سؤال عن أين خالف الإسكندر الأفروديسي أرسطوطاليس. كلفه بالإجابة عنها السلطان عبد الواحد الرشيد.
ويظهر أن المكانة التي نالها ابن سبعين بجوابه كانت عالية وقد أوغرت صدور الفقهاء عليه فراحوا يتهمونه بالكفر، مما اضطر حاكم سبتة، ابن خلاص، إلى طرده منها، فسكن في بجاية مدة إلى أنه في النهاية ونتيجة لكيد من حوله له تمّ نفيه من المغرب، وكان خروجه منها سنة 642 هـ وهو في الثلاثين من عمره. ومن هذا أنه أقام بالمغرب حوالي خمس وعشرين سنة.
اختلف المؤرخون في سبب خروجه من الأندلس فأولئك الذين هم خصومه يقولون انه نفي من المغرب بسبب كلمة كفر صدرت عنه وهي قوله ” لقد تحجر ابن آمنة واسعا بقوله لا نبي من بعدي ” ويرون فيها انه كان ينكر النبوة ،ويعد أنها شيء كسبي.[10] وهناك من يرى في هذا الكلام كثيرا من التجني على ابن سبعين الذي كان يعظم النبوة ،ويؤمن بالنبي “وقال بعضهم عند إيراده جملة من رسائله ،أنها تشتمل على ما يشهد له بتعظيم النبوة وإيثار الورع. أما في الجانب الآخر، وهم أنصار ابن سبعين، فإنهم يرون في هجرته، أحد مفاخره ، ودليلا على كونه وارثا مخصصا. لكن المنصف من الآراء فقد رجحت هجرة ابن سبعين من الأندلس إلى هجوم الفقهاء عليه وخوفه منهم.
رحل إلى مصر، وأقام بها مدة قصيرة فيما يبدو، لأن هدفه الأول كان الحج، ودخل مكة سنة 652 هـ واستقر بها وتتلمذ على يده أمير مكة، الذي عالجه من أذى أصابه فعوفي فصارت له عنده منزلة.[11] وشريف مكة هذا هو أبي لحى محمد بن أبي سعد. وشاع صيته وكثر أتباعه بين أهل مكة بسبب سخائه وعلمه، وكان أهل مكة يعتمدون على أقواله، ويهتدون بأفعاله. وقد ظل ابن سبعين في مكة حتى توفي بها.