خاص باليوم العالمي للمرأة : 8 مارس
نساء مغربيات عديدات تحلين بالإرادة والعزيمة، وكن عنوانا للطموح والإصرار، فاستطعن ولوج قطاعات كانت حكرا على الرجال. حياة بوسالم الهاشمي واحدة من هؤلاء بصمت على مسار طويل جمع في طياته تجارب رياضية متنوعة توجت بتولي مهمة مندوبة مقابلة كرة القدم النسوية.
هذه المرأة الوجدية، قضت طفولتها بحي درب مراكش بالمحمدية، قبل أن تنتقل إلى مدينة الألفية التي درست فيها المرحلة الابتدائية (مدرسة البخاري)، وبعدها عادت إلى مدينة الزهور، حيث التحقت بإعدادية ابن رشيق؛ لتكون نقطة البداية في مسارها الرياضي مشاركتها في الألعاب الجماعية في رياضة كرة اليد والسلة.
انخراطها في الألعاب المدرسية، فتح لها أبواب الالتحاق بنادي الاتحاد الرياضي المحمدي سنة 1992، مما أهلها للمشاركة في دوريات على المستوى الوطني، كان أولها دوري الصداقة لكرة القدم داخل القاعة إناث سنة 1998 بالقاعة المغطاة بالمركب الرياضي محمد الخامس بالبيضاء.
حياة بوسالم، التي مارست كرة القدم كلاعبة دفاع بنادي النجم الرياضي المحمدي، شاركت أيضا في الدوري الوطني الأول لكرة القدم داخل القاعة مع النجم الأحمر الرياضي البيضاوي جماعة مرس السلطان في يناير 1998.
وبحصولها على شهادة التدريب، كأول مدربة درجة ثانية لكرة القدم، رفقة أسماء لامعة من قدماء اللاعبين المغاربة والدوليين، تمكنت هذه الرياضية من خوض غمار مندوبة مقابلة كرة القدم لتباشر هذه المهمة كأول امرأة وجدية تقتحم هذا الميدان من بوابة عصبة الشرق.
الولوج لهذا الميدان ليس ترفا أو صدفة بالنسبة لحياة بوسالم، بل كان نتيجة كفاح وإصرار على إبراز مدى قدرة المرأة على اقتحام هذا المجال الرياضي، وتولي مهمة كانت في وقت قريب مقتصرة فقط على الرجال.
مهمة ليست بالسهلة، تقول حياة بوسالم؛ فمسؤولية مندوب المقابلة، الذي هو الممثل الإداري الرسمي للجهاز المنظم للمسابقة (العصبة، المجموعة الوطنية، الجامعة)، تبدأ منذ أن تطأ قدماه أرضية الملعب إلى حين مغادرته له؛ فهو ملزم بالحضور ساعة قبل المقابلة للسهر على الإعداد الجيد لجميع ظروفها، وتسهيل التواصل بين كافة المتدخلين في المقابلة.
فالمندوب هو المسؤول أيضا عن الملعب، والأمن، وكتاب وأمناء الفرق، والحكام، والصحافة، وغيرهم. كما أن مسؤولية السهر على أمن اللاعبين والحكام تقع ضمن دائرة اختصاصاته بالتعاون مع الأمن لتحديد أوقات وأماكن التدخل، وانتهاء بتوجيه تقرير مفصل للجهة المسؤولة بعد نهاية المقابلة يشير فيه إلى حيثياتها وظروفها.
ورغم ثقل المهام الملقاة على عاتق مندوب المباراة، ترى بوسالم أن ذلك لا يمنع من الدخول إلى هذا المجال، لاسيما أن المرأة المغربية، وبفضل المكانة التي خصصها لها دستور المملكة الذي كرس مقاربة النوع والمساواة بين الجنسين في مختلف المجالات، انسجاما مع المواثيق الدولية، أبانت عن علو كعبها وجدارتها في مجموعة من الرياضات، ومن بينها كرة القدم.
هذه المهمة، تنضاف إلى مسار طويل وغني في رياضات أخرى، حيث تألقت بوسالم، الحاصلة على إجازتين في القانون الخاص، وفي السوسيولوجيا بجامعة محمد الأول بوجدة، وكذا جائزة فخرية من جامعة أندونيسيا في السلم الاجتماعي والديموقراطية، في رياضة الفنون القتالية؛ فهي حاصلة على الحزام الأسود، درجة أولى في رياضة الكراطي والشوطوكان، وحكمة في نفس النوع الرياضي منذ سنة 1997 بعصبة الدار البيضاء الكبرى بعد حصولها على شهادة التحكيم في الميدان.
وحققت من خلال ممارستها لهذه اللعبة، عدة إنجازات من بينها حصولها على الرتبة الثانية في بطولة الكبار فتيات (يونيو 1992)، والرتبة الثانية في البطولة الفردية إناث (مارس 1995)، والرتبة الثالثة في بطولة الإناث تباري فردي أكثر من 53 كلغ (أبريل 1993).
هذه المرأة الرياضية، التي حصلت على الدرجة الثانية في الكراطي، وكذا على دبلوم تقني في رياضة اليوسيكان بودو، سنة 1997، شاركت في عدة تدريبات دولية خاصة مع الخبيرين الصيني كونيوا كوكاي، والفرنسي دانيال لولتي، ومن بلاد الغال الخبير روبير اشيان. هذا بالإضافة إلى حصولها على شهادة دولية فخرية من الخبير الإسباني سانتياغو بانغو بيريز في رياضة البريكبول (مارس 2020).
حياة بوسالم، الحاصلة أيضا على شهادات التدريب للرشاقة البدنية، والرياضة الوثيرية (الأيروبيك)، منذ سنة 1999، كانت لها مساهمة غنية في تأطير العديد من الأندية المحلية بالمحمدية، والدار البيضاء، ووجدة، سواء منها النسوية أو الرجالية.
وفي هذا السياق، عملت على تدريب الفريق النسوي للكاراطي بنادي الاتحاد المحمدي، وكذا في مجال الأيروبيك والرياضة الايقاعية لمدة تتجاوز عشر سنوات، بالإضافة إلى تأسيسها لنادي في نفس الرياضة بدار الشباب العربي القصبة بمدينة الزهور سنة 1998.
تدريبات أخرى، شاركت فيها حياة بوسالم؛ فبالإضافة إلى تكوينات منظمة لفائدة مدربين في كرة القدم بعصبة الشرق سنة 2008، استفادت أيضا من تدريبات بمدينتي المحمدية وأزمور في رياضة الملاكمة تحت إشراف أطر الجامعة، لتصبح بذلك أول مندوبة بمدينة وجدة لهذه الرياضة لعصبة وجدة – أنجاد التابعة للجامعة الملكية للملاكمة.
بوسالم، لم تتوقف عند هذا الحد، بل حاولت استثمار كل هذا الثراء الرياضي في القيام بأنشطة رياضية وتربوية لاسيما لفائدة العنصر النسوي. هذا فضلا عن كونها فاعلة في العمل الجمعوي والإعلام الرياضي؛ فهي مديرة تربوية في مخيمات صيفية، ورئيسة لجمعية تنمية المرأة والطفل بوجدة.
وفي الميدان الإعلامي، فقد حصلت حياة بوسالم على عدة شهادات تكوينية؛ منها شهادة في الصحافة الإلكترونية (وجدة – يناير 2014)، وشهادة معتمدة من طرف اتحاد الصحافيين الرياضيين المغاربة، ومن الاتحاد الدولي للمواقع الإلكترونية (أبريل 2016)، وأخرى من نادي الصحافة والإعلام بجهة الشرق (أبريل 2017). هذا بالإضافة إلى اعتمادها من الولايات المتحدة كسفيرة للإعلام العربي بالمغرب والشرق الأوسط، إلى جانب اشتغالها كمحررة صحفية رياضية سابقة في عدد من المواقع الإخبارية الجهوية والدولية.
ومع هذا المسار الغني، تجسد بذلك حياة بوسالم نموذجا للمرأة المغربية القادرة ليس فقط على تأكيد حضورها الفاعل والوازن في المجال الرياضي، ولكن أيضا على تولي أدوار رئيسة، وتقلد مناصب إدارية وتدريبية وكذا تقنية.