في تحولات المشهد الزراعي بمنطقة الغرب..نموذجا بعض الجماعات التربية بإقليم سيدي قاسم
بالعودة إلى التاريخ الاجتماعي والاقتصادي للمجال الترابي لأقليم سيدي قاسم، نجد أن هذا المجال في السياق التاريخي، كان حديقة الأنشطة الفلاحية، للاستعمار الفلاحي من قبل المحتلين الفرنسيين خلال المرحلة الكولونيالية.
وكما هو معلوم في الادبيات التاريخية المغربية، شكل الاستعمار الفلاحي للمغرب خاصة من طرف الفرنسين، من بين أهم ملامح الاستعمار في المجال المغاربي. فإذا أردنا تحدث عن التحولات النوعية والكمية التي عرفها المشهد الفلاحي ومنه نشاط الزراعي في مجال منطقة الغرب، فيمكن اعتبار محطة الكولونيالية نقطة أساسية في تحول مشهد الفلاحة المغربية.
فعلى أثر النشاط الزراعي الكولونيالي، ستعرف منطقة الغرب، تحولا في هذا المشهد، الذي أصبح متنوعا نوعا وكما. ومن هذه الأرضية يمكن القول أن مرحلة تحولات في المشهد الزراعي بدأت من خلال هذه الحقبة.
لكن مشهد تحول الزراعي على مستوى الأنشطة الزراعية المتعلقة بالفلاحين الصغار، سيكون في اطار حقبة الاستقلال. فما هي بعض ملامح هذا التحول في المشهد الزراعي على صعيد بعض الجماعات الترابية بإقليم سيدي قاسم؟ وماهي أبرز تحديات التي تحول دون تحقيق التنمية الفلاحية لبعض الفلاحين الصغار في المنطقة؟ وكيف يمكن المساهمة بالتنمية القروية هناك؟
عرف النشاط الفلاحي في منطقة الغرب مجموعة من التحولات المهمة خلال العقود المنفرطة، وما يزال هذا النشاط يعرف جملة من التحولات نحو التحديث على جميع مستوياته، وخاصة في مشهد الفلاحي الزراعي. فبفعل تدخل الدولة في الميدان عبر أوراشها الفلاحية الكبرى، وانفتاح المشهد الزراعي على المعدات الحديثة، والاعتماد على الأسمدة، والمبيدات، والبدور والشتائل المنتقية، وكذا الانخراط في الإنتاج الأكثر ربحية في النشاط الزراعي. هذه العناصر وغيرها، غيرت من مشهد ممارسة النشاط الفلاحي في المنطقة، وبالخصوص منها المشهد الزراعي المهيكل في ضيعات الزراعية مترامية الأطراف.
ففي مجال الغرب، يمكن تحدث عن عدة مجالات من مجالات الفلاحة التي تساهم في تنمية الاقتصادية والاجتماعية لساكنة المنطقة؛ كتربية الماشية، والزراعة، وتربية النحل…إلخ. لكن تعد الأنشطة الزراعية، كزراعة الحبوب(القمح والشعير والحمص…) والخضر والفواكه، والزراعة الصناعية (الزيتية كعباد الشمس والشمندر وقصب السكر..)، وزراعة الأشجار كالحوامض والورديات والزيتون، تعتبر من الاختيارات التي بدأ الاعتماد عليها منذ سنوات عدة.
وكما هو معلوم، تعتمد هذه المنتوجات الزراعية وغيرها على المعطيات الطبيعية المجالية: التربة الصالحة للزراعة، والماء الصالح للزراعة، والمناخ المعتدل، وسهولة التضاريس. وهذه الخصائص أو العوامل من أوجه قوة المجال الريفي بشكل عام في الامتداد الترابي الزراعي في منطقة إقليم سيدي قاسم. المنتمي جغرافيا لسهل الغرب، هذا السهل الذي تدخل المجالات الترابية لإقليم سيدي قاسم ضمن حدوده. فمن المعرف عن سهل الغرب، أنه يتوفر على أهم فرشة مائية على صعيد التراب الوطني، كما يتميز بسهولة الولوج.
فمن بين الجماعات الترابية على صعيد إقليم سيدي قاسم، التي عرفت تحولات في مشهدها الزراعي، نجد جماعة سيدي عبد العزيز، وجماعة الخنيشات، وجماعة توغيلت، وجماعة حد كورت، وجماعة أولاد نوال، وجماعة عين الدفالي، وجماعة لمرابيح..وغيرها من الجماعات الترابية في هذه المنطقة، التي انخرط الفلاحون فيها، نحو مواكبة التطور الزراعي. وإلى حد ما في هذه المناطق، على صعيد مستوى طبقة الفلاحين الصغار؛ تم الخروج نسبيا من النشاط الزراعي المعيشي نحو النشاط الزراعي التجاري والصناعي، كزراعة الخضر(القوق…) وزراعة الحوامض(كليماني…) وزراعات الورديات(التفاح..)، وزراعة الشمندر…إلخ. ولهذه الاختيارات الزراعية مردودية مختلفة نسبيا عن النشاط الزراعي التقليدي؛ كزراعة الحبوب(القمح والشعير) التي تباع بثمن لا يحقق الربحية المتوسطة، أي دائما الفلاح في حلقة المعيشة، ولا تراكم لرأسمال يذكر.
ومن مشهد قوة المجال الترابي لهذه الجماعات، اختراق مجالها مجموعة من الأودية المهمة التي تعتبر الشريان النابض للمشهد الفلاحي في المنطقة. ففي المنطقة يمكن الإشارة إلى واد ورغة، ونهر سبو، وواد رضات وغيرها من المجاري المائية السطحية، والجوفية في المنطقة التي تعد أحد المعطيات المجالية الطبيعية في المجال.
وعلى امتداد هذه الجماعات الترابية المشار إليها سابقا، خاصة من ناحية البنية العقارية المتاخمة للأودية الجارية؛ تتنوع الأنشطة الزراعية في هذا الامتداد، حيث يطغى في المنطقة تناثر الضيعات الزراعية الكبرى الخاصة أوالمكترية للخواص، التي يطغى فيها نشاط الزراعي التشجيري، إذ من أهم المزروعات في المنطقة نجد الحوامض بكافة أشكالها وألوانها وأحجامها: الكليمنتين، برتقال ماروك ليت، والنافيل…إلخ. وأشجار الورديات: الخوخ، والتفاح..؛ كما نجد أشجار التين والزيتون والرمان، التي أصبحت تلاحظ في ميدان.
من بين بعض معيقات تحول الزراعي في هذه الجماعات المشار إليها، على مستوى المشهد الزراعي، الخاص بالفلاحين الصغار، وكذا تحقيق التنمية القروية هناك؛ يمكن الحديث عن مجموعة من المعيقات، من بينها:
- أن نسبة من الأراضي المهمة المملوكة للفلاحين الصغار توجد في الترس، أي بعيدة نسبيا عن مجاري الأودية.
- وضعية الملكية المتواجدة توجد في الشياع؛
- ملكيات مجزأة وصغيرة، تحتاج إلى مشروع الضم؛
- غياب رأسمال للاستثمار، حيث الوضع المادي للفلاحين محدودة جدا؛
- الخوف من الاقدام على عقد شراكات مع المستثمرين أو الاقدام على القروض؛
- تغير المناخ؛
- مضاربات التسويق؛
وغيرها من الأمور التي تعرقل التحول التام، نحو زراعة ذات مردودية تنعكس على الأسر القروية في المنطقة، وتخرجهم من الفقر. إن أهم عامل يمكنه أن يقلب موازين دخل الفلاح الصغير في هذه الجماعات الترابية وغيرها، هو أن يصل الماء إلى منطقة النشاط الزراعي في منطق الترس(البور)، حيث نسبة امتلاك الأرض أكثر بكثير من امتلاكها في الدهس(السقي)، حيث قد تجد عددا من الفلاحين الصغار، من له أقل من هكتاريين في الدهس، بينما له أكثر من أربعة هكتارات في الترس.
ومن الملاحظات التي تؤرق الفلاحين الصغار، هي مسألة عدم استفادتهم من مجموعة من البرامج التي استفاد منها الفلاحون الكبار، كما يسجلون نقطة أخرى في نفس السياق، إذ يتحدثون عن المحسوبية والزبونية في الاستفادة من بعض منافذ والبرامج الفلاحية المتعلقة بمسألة الدعم. وما حديث دعم الشعير ببعيد عن هذا الذي تحدثنا عنه. سيبقى الفلاحون الصغار في مدار فقرهم يعشون إذا لم ينظر لهم ببرامج خاصة تستهدفهم مباشرة، وتدق أبوابهم بيتا بيتا.
إسماعيل الراجي
